فجّرَ الرئيس سعد الحريري قُنّبلة مدوّية من بعبدا عاكساً أجواءً شديدة السلبية. فمناخ التفاؤل “المُصّطنع” الذي ساد خلال اليومين الماضيّين لم يصّمُد طويلاً؛ ما يفتح الأزمة الحكوميّة على خيارات وسيناريوات قاتمة قدّ تأخذ البلد إلى مرحلةٍ جديدة من المواجهة على مختلف الصعد.
خمسةُ أشهرٍ بالتمام والكمال مرّت على تكليف الحريري، تخلّلها ثمانية عشر اجتماعاً كان آخرها اجتماع اليوم حمل الرقم 18، لم تنجح جميعها في إحداث خرقٍ في الجدار الحكومي الصلب.
الأبواب الحكومية أُقفلت بانتظار معجزة
وبعد اجتماعٍ لم يدُم طويلاً، خرج الحريري مُتحدثاً إلى الإعلام بلهجة تصعيدية ترافقت مع غضبٍ ساد وجهه أوحى وكأن الجرّة قد كُسِرت مع رئيس الجمهورية، وأن اللقاء هو الأخير بينهما وأن الأبواب أُقّفِلت على الحلول بانتظار معجزة.
ببعض السطور المكتوبة اختصر الحريري المشهد الحكومي بقوله: “بإجتماعي الأخير اتفقنا على اللقاء اليوم، إلا أنّه للأسف أرسل لي أمس تشكيلة تتضمن ثلثاً معطلاً لفريقه وطلب مني أن أعبئها”. مضيفاً: “اللائحة التي أرسلها لي الرئيس غير مقبولة لأن الرئيس المكلّف “مش شغلتو يعبي أوراق من حدا”.
قال الحريري كلمته مشى، لكن ردّ بعبدا لم يتأخر؛ حيث أكدت مصادر رئاسة الجمهورية أنّها فوجئت بكلام وأسلوب الرئيس المكلّف شكلاً ومضموناً. وأوضح الرد أنّ “رئيس الجمهورية وانطلاقاً من صلاحياته أرسل إلى الحريري ورقة تنص فقط على منهجية تشكيل الحكومة وتتضمن 4 أعمدة يؤدي اتباعها إلى تشكيل حكومة بالاتفاق بين الرئيس والحريري”.
تشكيلة الحريري أشبه بمجلس إدارة
لكن مصادر مطلعة على موقف بعبدا أشارت لـ”أحوال” إلى أن “الحريري حاول إظهار مظلوميته متذرعاً بأن عون خالف الدستور. لكن تشكيلته أشبه بمجلس إدارة ولا علاقة لها بالإصلاح والإختصاص، وتظهر جمود الحريري في مكانه وعدم إدخال أي تعديل أو تطوير لهذه التشكيلة منذ خمسة أشهر”. وخلصت المصادر للقول بإن “وظيفة الحريري ليست التشكيل بل هو مكلّف بالتعطيل وإنتاج الفراغ السياسي تنفيذاً لوثيقة وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو لتدمير لبنان بدءاً بالفراغ الحكومي والإنهيار النقدي وصولأً إلى تعميم الفوضى الاجتماعية والأمنية”. وتوقعت المصادر موجة جديدة ساخنة من المواجهة بدرجات وسقوف أعلى.
باسيل مصرٌ على الثُلث المعطّل
إلا أن مصادر أخرى قريبة من المستقبل لفتت لـ”أحوال” إلى أن “رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لا يزال مصراً على انتزاع الثُلث المُعطّل أي 6+1 في حكومة 18 وزيراً أو 7+1 في حكومة 20 وزيراً متحصناً بموقفي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط. وقد جاءت مسودة الرئيس عون التي أرسلها للحريري متوافقة مع تمسك باسيل بالثُلث الذي رفضه الحريري لأنه يضرب المبادرة الفرنسية من أساسها”.
لا ضمانة سعودة بتغطية حكومة الحريري
في المقابل، كشفت معلومات “أحوال” أن “الحريري وخلال جولاته المكوكية الخارجية طلب من الفرنسيين والإماراتيين والروس إذا كان بإمكانهم انتزاع ضمانة من السعودية لتغطية حكومته العتيدة، إلا أنه لمّ ينَل ما يريد حتى الساعة.
مسودة عون لم تكُن السبب الوحيد لغضب الحريري في بعبدا؛ بل موقفين اعتبرهما موجّهين ضده ويساهمان في حصاره. الأول موقف السيد نصرالله الخميس الماضي سيّما دعوته الحريري لإعادة النظر بحكومة الإختصاصيين لصالح حكومة “التكنوقراط”. والثاني زيارة جنبلاط إلى بعبدا السبت الماضي وتوجيه رسالة للحريري بأنّ التسوية أهم من التمسك بالمواقف، ما خلط الأوراق الحكومية وأضعف أوراق الحريري وحصّن الموقف التفاوضي لرئيس الجمهورية.
ثلاثة خيارات متاحة للحل أو الإنفجار
أزاء هذا الإستعصاء الحكومي عقب لقاء بعبدا، لم يبقَ سوى ثلاث خيارات، وإلا فالبلد يتجه إلى الإنهيار والإنفجار الشامل:
-الخيار الأول، تحرّك الوسطاء لإعادة عون والحريري إلى طاولة الحوار والإتفاق على حكومة توافقية وإن لم تنل رضا الخارج بشكلٍ كامل، على أن تتقدم من المجتمع الدولي بخطة إصلاحية للحصول على الدعم الدولي. فبعض العاملين على تأليف الحكومة يدفعون لخيار مواجهة الظروف الحالية بحكومة أصيلة برئاسة الحريري أفضل من مواجهتها بحكومة تصريف أعمال وإن فُعّلِت وتوسّع هامش التصريف. في المقابل يرى آخرون يتقدمهم رئيس الجمهورية وحزب الله بأن حكومة اختصاصيين مجمدة ومنزوعة القرار ومرتبطة برضا ودعم الأميركيين والخليجيين ستكرّر تجربة دياب ومعرّضة للسقوط في الشارع وبالتالي تتحوّل إلى تصريف أعمال مع إطالة أمد التصريف لاستحالة تأليف حكومة أخرى سيّما في العهد الحالي.
-الخيار الثاني، اعتذار الحريري وإجراء جولة مشاورات جديدة بين الأطراف السياسية تقود إلى تكليف شخصية سياسية جديدة يسميها الحريري أو بالتوافق والتفاهم معه أو شخصية تحدي له كالرئيس دياب. لكن لا أفق لهذا الخيار في الوقت الراهن في ظل تمسك الحريري بالتكليف وإن طال أمد التأليف في ظل تسلّحه بالدستور الذي لا يقيّد الرئيس المكلف بأي مهلة للتأليف ويفضل الإنتظار والرهان على متغيرات إقليمية دولية تعبّد الطريق الى القصر الحكومي.
-الخيار الثالث، المراوحة والإبقاء على معادلة الرئيسين واحد مُكلّف والثاني تصريف أعمال إلى أمدٍ قد يمتد إلى نهاية العهد مع إمكانية تفعيل الحكومة الحالية وتوسيع التصريف. الأمر الذي يرفضه الحريري والرئيس نبيه بري كما يرفضه دياب حتى اللحظة رغم دعوة السيد نصرالله. وتشير مصادر مقرّبة من دياب لـ “أحوال” إلى أن “هذا التوجه غير وارد حالياً إلا في حال حصل توافق سياسي عام ترجم بدعوة واضحة من مجلس النواب للطلب من الرئيس دياب تفعيل الحكومة وتحديد حدود الصلاحيات”.
محمّد حميّة